Friday, October 09, 2009

الجهشياري

قال الجهشياري في "الوزراء والكتّاب": لما كان أبو جعفر المنصور مستترا بالأهواز قبل توليه الخلافة نزل على بعض الدهاقين، فاستتر عنده، فأكرمه الدهقان بجميع ما يقدر عليه حتى أخدمه ابنته وكانت غاية في الجمال فقال له ابو جعفر: لست أستحل استخدامها والخلوة بها وهي جارية حرة، فزوجنيها. فزوجه إياها، فعلقت منه. وأراد أبو جعفر الخروج إلى البصرة فودعهم ودفع إلى الجارية قميصه وخاتمه وقال: إن ولدت فاحتفظي بولدك. فمتى سمعت في الناس أنه قد قام في الناس رجل يقال له: عبد الله بن محمد ويكنى أبا جعفر فصيري إليه بولدك وبهذا القميص والخاتم، فإنه يعرف حقك ويحسن الصنع إليك، وفارقهم. فولدت ابنا، ونشأ الغلام وترعرع فكان يلعب مع أترابه. وملك أبوجعفر، فعيّر الغلامَ أترابُه بأنه لا يعرف له أبٌ، فدخل إلى أمه حزينا كئيبا، فسألته عن حاله. فذكر لها ما قال أترابه فقالت: بلى والله إن لك أبا فوق الناس قال لها : ومن هو؟ قالت: القائم بالملك. قال: فهذا أبي وأنا على هذه الحال! هل من شيء يعرفني به؟ فأخرجت القميص والخاتم، وشخص الفتى فصار إلى الربيع مولى أبي جعفر وأحد رجال دولته. فقال له:نصيحة. قال:هاتها. قال: لا أقول إلا لأمير المؤمنين. فأعلم المنصور الخبر، فأدخله إليه. فقال: هات نصيحتك. فقال أخلني فنحى من عنده وبقى الربيع فقال:هات قال: لا إلا أن يتنحى فنحاه وقال:هات. قال: أنا ابنك. قال: ماعلامة ذلك؟. فأخرج القميص والخاتم، فعرفهما المنصور وقال مامنعك أن تقول هذا ظاهرا؟.قال: خفت أن تجحد فتكون سبة آخر الدهر. فضمه إليه وقبله وقال: أنت الآن ابني حقا ودعا المورياني (أبو ايوب سليمان \أحد رجال الدولة) فقال: يكون هذا عندك وماكنت تفعله بولدي لو كان لي عندك فافعله به. وتقدم إلى الربيع في أن يسقط الإذن عنه وأمره بالبكور إليه في كل يوم و الرواح، إلى أن يظهر أمرَه. فإن له فيه تدبيرا. فضمه المورياني إليه وأخلى له منزلا وأوسع له من كل شيء. فكان يغدو ويروح إلى المنصور وخص به جدا، وكان الفتى غاية من العقل والكمال. وكان المنصور يخلو معه، فيسأله المورياني عما يجري بينهما فلايخبره فيقول له:إن أمير المؤمنين لا يكتمني شيئا فيقول له الفتى:فما حاجتك إلى ماعندي إذن!. فحسده المورياني واستوحش منه وثقل عليه مكانه. فأطعمه سما فمات، وصار إلى المنصور فأعمله أنه مات فجأة. ثم ولّى. فقال المنصور:قتلته! قتلني الله إن لم أقتلك به! فلم يلبث بعدها أن فعل به ما فعل